لا يعزف النوبي على لحن العبودية
هناك لغتان يتحدثهما النوبيون عموماً هما الكنوز والفدكا وهي التي تمثل العلامة البارزة للاختلاف النوبي في مصر، بالإضافة الى بشرتهم القاتمة وتجربتهم المشتركة في الهجرة والترحال.
حجم الكثافة السكانية في مصر كان أساس في صعوبة تقدير عدد النوبيين العجائز ولا يوجد مصدر إحصائي يشير بوضوح الى أن النوبيين معدودين حسب الإحصاءات السكانية المصرية قبل ثورة يوليو 1952. بينما مثّلوا نصف في المائة 5,% من عدد السكّان الكُلّي في مصر عام 1960 وقد خمّن جيسر أن العدد التقريبي للنوبيين المصريين كان 150 ألف نسمة عام 1970 (جيسر 1973-ص86-59) بينما يمكن أن يُقدّر عددهم عام 1993 ثلاثمائة ألف نسمة.
ولأنهم يتكلمون لغتي الكنوز والفدكا لذلك فاللغتان لا قيمة لهما من حيث التداول القواعدي والتاريخي بين النوبيين وغير النوبيين. مقابل تداول اللغة العربية في مصر، على الرغم من أن بعض النوبيين قد يتكلمون بهما منذ دخول الإسلام إلى النوبة خلا الثلاثة عشر أو الخمسة عشر قرناً الماضيين، بينما استبدلت الأبجدية النوبية بأسلوب الكتابة بالعربية في عام 1980، على الرغم من أن أستاذة العلوم الإنسانية عالية رشدي قد وجدت السواد الأعظم من النوبيين يتحدثون بشكل ثنائي اللغة (نوبي/عربي) إلا انها لاحظت تغيّر شديد في أسلوب نطق اللغة العربية الفصحى لديهم (رشدي1991)
إن مجموع الذين يعرفون اللغتين النوبيتين (الكنوز/ الفدكا) قراءة وكتابة قضوا طفولتهم المبكرة في النوبة القديمة فنشئوا طليقي اللسان في إجادة الكلام بلغتهم الأصلية، أغلب هؤلاء الرجال –الذين يعملون في وظائف منها المحاسبين ورجال الأعمال والروائيين- جاءوا إلى القاهرة أساساً للدراسة في المرحلة الثانوية أو للتعليم الجامعي. ربما يكون قبل أو أثناء عامي 1963-1964. ارتحلوا ، تزوجوا من النساء النوبيات ثم استقر لهم المُقام كأُسر في القاهرة. لذا، بات قلقهم شديداً لأن لغتهم الشفوية مُحيت لأنها لا تستخدم سوى في المنازل، كما أن الأجيال الصاعدة منهم لا تتعلمها. لذلك، تعلم الكتابة النوبية لا يحتفظ بوجودها فحسب، بل يثبت بالفعل أنها كانت دارجة فى الاستخدام وليست مجرد لهجة عارضة .
تعلم اللغة النوبية هو المشروع الأول من نوعه في مصر الذي بلغ ذروته لمدة خمس سنوات من قِبل اثنتي عشر متحدثاً من مصر والسودان وقد انتعش استخدام اللغة كمستند دال على النوبة في العصور الوسطى أساساً عند الأقباط واليونانيين ، والكتاب الذي ذكر ذلك انتهى عام 1999 تحت عنوان"تعلم اللغة النوبية بالفودكا والكنوز على التوالي". وكان في الأصل أطروحة لنيل رسالة الدكتوراه للدكتور مختار خليل كبّارة، وفي الأساس كانت أطروحة كبارة عن المصريات ونالها من مدينة بون بألمانيا ومصادره التي استخدمها كانت المخطوطات المسيحية التي ظهرت في العصور الوسطى ومن ثم تناولت النصوص النوبية كي تكشف عن أن الأبجدية يمكن أن تتاح للكتابة بكل اللهجات المعاصرة.
دعاني بهجت يوسف –يعمل محاسباً- و بشير عبد الغني وهو الآن موظف حكومة متقاعد إلى جمعية أبو سمبل حيث تحدثنا واحتسينا الشاي. ضم معبد أبو سمبل جدارية عملاقة تغطي الحائط في الغرفة الرئيسية وكانت تصوّر الفرعون رمسيس الثاني صاحب المعبدين في أبو سمبل.
في عام 1960 نقلت هيئة اليونسكو المعابد القارة فوق المياه المتدفقة خلف سد أسوان ، وفي الآن نفسه ارتحل النوبيون المصريون لقرى جديدة في شمال أسوان على مرأى من حملقة رمسيس لجمعية أبو سمبل التي تحوي أعضاء وأصدقاء يجتمعون على تدخين النرجيلة ولعب الطاولة أثناء مشاهدة التليفزيون القابع أمامهم . وفي إحدى ليالي رمضان في ديسمبر 2001 جلسنا في غرفة الاستقبال في المكتب مستمتعين باحتساء الشاي أنا وبهجت وبشير وأخذت أشرح لهما طبيعة ما أقوم به من بحث ثم جاء أحد أعضاء الجمعية ليرحب بي ثم ذكر عضواً آخر من أعضاء الجمعية أنه أرسل مؤخراً خطاب يحوي شكوى لمحطة التلفزيون المصري الأولى مدارها حول إذاعة إحدى مسلسلات رمضان التلفزيونية في رمضان وكانت قصة المسلسل إحدى مؤلفات الروائي المصري نجيب محفوظ الذي فاز بجائزة نوبل وكانت تحت عنوان "حديث الصباح والمساء" قصتها تدور زمنياً في القرن التاسع عشر ، بطل المسلسل أرستقراطي فاسق تزوج أخر حياته من خادمته السمراء المُسماة "جواهر"، بينما ترك زوجته الأرستقراطية وأولاده. وعلى ما يبدو كان احتجاج نادي النوبيين المقدّم إلى قناة التلفزيون نظراً لظهور شخصية جواهر على الشاشة بشكل غير لائق، كما كانت الخلفية الموسيقية للمسلسل موسيقى منم الترانيم النوبية . طبيعة اعتراض الجمعية هو حقيقة أن النوبيين لم يُستعبدوا هكذا، فضلاً عن أن شخصية جواهر لم تكن نوبية. لذا، فقد تصرّف مبدعو المسلسل بشكل غير لائق إثر بثّهم للموسيقى النوبية كخلفية للمسلسل المعروض على الشاشة.
مثل حجّاج أدول وبعض المثقفين النوبيين الذين حضروا إلى جمعية التراث النوبي وأعربوا عن قلقهم الكبير لعرض صورة النوبيين تكريسها بشكل سئ في وسائل الإعلام التي تظهرهم في أعمال مهنية أدني كحراس منازل أو خدم بما يعكس تأدب ذوي الياقات البيضاء الشديد كيف يكون؟. ولتقدير درجة قابلية طبقة النوبيين للهجرة مثل الكثير من الريفيين وخلال مرحلة التعليم دخل ذوو الياقات البيضاء إلى المهن المختلفة مثل غيرهم من المهاجرين وفي داخلهم إيمان بتصحيح الصورة المشوشة عن النوبيين كأحد أبناء صحراء إفريقيا الكُبرى و/ أو باعتبارهم في الأصل عبيد بدلا من كونهم أبناء وادي النيل، وفي موازاة ذلك يأتي اعتراضهم على إلصاق صفة البرابرة بهم.
يريد النوبيون –أيضاً- أن يمحوا الأفكار الإعلامية التي تتكرر دوماً عنهم في الأفلام المصرية القديمة التي تصور الفترة ما قبل ثورة 1952، كما يُعاد الأمر نفسه دوليا أكثر عبر تلفزيونات القمر الصناعي. تجسّد هذه الأفلام تاريخ النوبيين على أنهم في المنزلة الأدنى خلال الحرف التي يعملون بها في الأعمال الخدمية داخل سياق حياة المدينة. إن ارتباط فعل الاستعباد بالنوبيين أنفسهم كخدم مرفوض على مستويات عِدّة كما سبق أن أسلفنا، فقد اعتبر النوبيون مناسبون أكثر للعمل في الأعمال الخدمية بسبب الاقتران التاريخي بالمحو (أى إلغاء وجودهم) وأيضاً نظراً للمهن التي يعملون بها في المدن.
شارك النوبيون أنفسهم في تجارة العبيد كمالكين لهم، وقد أدّى ذلك الدور كبار السِن من أجيال النوبة الأولى في أواخر القرن التاسع عشر، اثنان من البرابرة من قرية "أبريم" في النوبة كانوا المسؤولين عن توريد العبيد إلى الشمال حيث مدينة القاهرة، كما كوّنا سوقاً للعبيد في الإسكندرية (واليز-1978-ص247) .
استجلب النوبيون العبيد بشكل خاص من مناطق النوبة الجنوبية من بين "الكُشّاف" وقبائل ملاك الأراضي التي تؤرخ أصولهم إلى الاحتلال العثماني للنوبة الذي كان في القرن السادس عشر، مما سمح بالتزاوج بينهم وبين سكّان الأرض الأصليين (فراز وجارسترز1973-ص11-12)
العائلات المُستعبدة وكذلك سلالاتهم شكّلوا جزءً من صغار المزارعين الأُجريين بلا أرض (حامد 1994) حتى مرحلة الانتقال في عام 1960 كانت التجمعات النوبية تمثل مصالح الأسر من ملاك الأرض في المدن (حامد 1994- ص139) هكذا كان مجتمع امتلاك العبيد لديه نفسه إجحاف تاريخي عميق حيث حدد أماكن العبيد الحاليين والمزارعين السابقين ذوات الأصول الإفريقية في وضع اجتماعي أدنى(للمزيد عن موضوع العبودية في النوبة انظر فرناند وجاستر 1973-ص 36، والـ"كاتشا" 1978- وكينيدي 1977-1978 ووالز 1978) .
أيضاً كان الاعتراض النوبي على المسلسل التليفزيوني الرمضاني هدفه المعنى غير الدقيق الذي يجعل النوبيين أنفسهم كانوا مستعبدين مثل الآخرين، كما أن استخدام الموسيقى النوبية قد سهّل للمشاهدين إدراك ذلك الأمر في حد ذاته بما أحدث إساءة للنوبيين فى صورتهم المقدمة عبر شخصية الخادمة.
إن ترسيخ صفة الخدم للنوبيين فكرة شاعت في الأفلام القديمة ، وقد ساعد وجود وجهة النظر نفسها في وسائل الإعلام كعامل مهم ومؤثر في تشكيل صورة عامة عن النوبيين في المجتمع المصري بينما تستنهض الجمعيات الأهلية النوبية نفسها عبر الزمن والجهد لمواجهة التصورات الإعلامية التي يرسخها الإعلام المصري. لذلك يستقرون على مقربة من مبنى الإذاعة والتلفزيون المصري في قلب مدينة القاهرة. وهناك –أيضاً- مقار عدّة صحف رئيسية مصرية، الأحاديث الإعلامية والمناقشات حول صورة النوبيين كلها تأخذ موضع النقاش فى الجمعيات الأهلية ، والعدد القليل من الأعضاء قد يظهر او يساهم في التلفزيون والبرامج الإذاعية كلما أتيح له الحديث في ذلك. وللمزيد من المساعدة يوفرون لمعدين البرامج الإعلامية مجالاً يسيراً للاتصال بالعائلات النوبية والأصدقاء في أسوان وكذلك في مواطنهم ببعض القرى.
فضلاً عن تنظيم المقابلات والعمل كمستشارين عندما يُسألون عن العادات والتقاليد واللغة النوبة الى جانب تنظيم الزيارات والأعمال المنزلية.
ليست مناقشات الأعضاء المستمرة –بشكل ثابت- الوحيدة المعبرة عن جهودهم الخاصة، لكن الصورة الإعلامية المنتجة عنهم تحدث دونما يتدخلون . ففى الزيارات التى شهدتها على مدار صيفين فى 1997-1999، وكذلك أثناء علمي 2001-2002 ناقش الأعضاء قاعدة يرسخونها أسبوعياً لمناقشة ما يُقدّم من برامج إذاعية دقيقة وموثوق بها. لذلك فى الروايات والأفلام وأداء الرقصات الشعبية والمسرح والمقالات الصحفية المتعددة في الجرائد التى تعرض لصورة النوبيين أو موضوعات عن النوبة في أغلب الأحيان يتذمر النوبيون من عملية البث الإعلامي.
لذا استحث أعضاء الجمعيات الأهلية النوبية بعضهم البعض على استنهاض المسؤولية دائماً لتصوير تراث النوبة بدقة لمنتجي الأعمال الدرامية عن النوبة، هذا وإلا يمكن أن يبحثوا عن أى رجل أسمر كبير السن يتلو تاريخهم[13] .
غدا في الحلقه الرابعه
هناك لغتان يتحدثهما النوبيون عموماً هما الكنوز والفدكا وهي التي تمثل العلامة البارزة للاختلاف النوبي في مصر، بالإضافة الى بشرتهم القاتمة وتجربتهم المشتركة في الهجرة والترحال.
حجم الكثافة السكانية في مصر كان أساس في صعوبة تقدير عدد النوبيين العجائز ولا يوجد مصدر إحصائي يشير بوضوح الى أن النوبيين معدودين حسب الإحصاءات السكانية المصرية قبل ثورة يوليو 1952. بينما مثّلوا نصف في المائة 5,% من عدد السكّان الكُلّي في مصر عام 1960 وقد خمّن جيسر أن العدد التقريبي للنوبيين المصريين كان 150 ألف نسمة عام 1970 (جيسر 1973-ص86-59) بينما يمكن أن يُقدّر عددهم عام 1993 ثلاثمائة ألف نسمة.
ولأنهم يتكلمون لغتي الكنوز والفدكا لذلك فاللغتان لا قيمة لهما من حيث التداول القواعدي والتاريخي بين النوبيين وغير النوبيين. مقابل تداول اللغة العربية في مصر، على الرغم من أن بعض النوبيين قد يتكلمون بهما منذ دخول الإسلام إلى النوبة خلا الثلاثة عشر أو الخمسة عشر قرناً الماضيين، بينما استبدلت الأبجدية النوبية بأسلوب الكتابة بالعربية في عام 1980، على الرغم من أن أستاذة العلوم الإنسانية عالية رشدي قد وجدت السواد الأعظم من النوبيين يتحدثون بشكل ثنائي اللغة (نوبي/عربي) إلا انها لاحظت تغيّر شديد في أسلوب نطق اللغة العربية الفصحى لديهم (رشدي1991)
إن مجموع الذين يعرفون اللغتين النوبيتين (الكنوز/ الفدكا) قراءة وكتابة قضوا طفولتهم المبكرة في النوبة القديمة فنشئوا طليقي اللسان في إجادة الكلام بلغتهم الأصلية، أغلب هؤلاء الرجال –الذين يعملون في وظائف منها المحاسبين ورجال الأعمال والروائيين- جاءوا إلى القاهرة أساساً للدراسة في المرحلة الثانوية أو للتعليم الجامعي. ربما يكون قبل أو أثناء عامي 1963-1964. ارتحلوا ، تزوجوا من النساء النوبيات ثم استقر لهم المُقام كأُسر في القاهرة. لذا، بات قلقهم شديداً لأن لغتهم الشفوية مُحيت لأنها لا تستخدم سوى في المنازل، كما أن الأجيال الصاعدة منهم لا تتعلمها. لذلك، تعلم الكتابة النوبية لا يحتفظ بوجودها فحسب، بل يثبت بالفعل أنها كانت دارجة فى الاستخدام وليست مجرد لهجة عارضة .
تعلم اللغة النوبية هو المشروع الأول من نوعه في مصر الذي بلغ ذروته لمدة خمس سنوات من قِبل اثنتي عشر متحدثاً من مصر والسودان وقد انتعش استخدام اللغة كمستند دال على النوبة في العصور الوسطى أساساً عند الأقباط واليونانيين ، والكتاب الذي ذكر ذلك انتهى عام 1999 تحت عنوان"تعلم اللغة النوبية بالفودكا والكنوز على التوالي". وكان في الأصل أطروحة لنيل رسالة الدكتوراه للدكتور مختار خليل كبّارة، وفي الأساس كانت أطروحة كبارة عن المصريات ونالها من مدينة بون بألمانيا ومصادره التي استخدمها كانت المخطوطات المسيحية التي ظهرت في العصور الوسطى ومن ثم تناولت النصوص النوبية كي تكشف عن أن الأبجدية يمكن أن تتاح للكتابة بكل اللهجات المعاصرة.
دعاني بهجت يوسف –يعمل محاسباً- و بشير عبد الغني وهو الآن موظف حكومة متقاعد إلى جمعية أبو سمبل حيث تحدثنا واحتسينا الشاي. ضم معبد أبو سمبل جدارية عملاقة تغطي الحائط في الغرفة الرئيسية وكانت تصوّر الفرعون رمسيس الثاني صاحب المعبدين في أبو سمبل.
في عام 1960 نقلت هيئة اليونسكو المعابد القارة فوق المياه المتدفقة خلف سد أسوان ، وفي الآن نفسه ارتحل النوبيون المصريون لقرى جديدة في شمال أسوان على مرأى من حملقة رمسيس لجمعية أبو سمبل التي تحوي أعضاء وأصدقاء يجتمعون على تدخين النرجيلة ولعب الطاولة أثناء مشاهدة التليفزيون القابع أمامهم . وفي إحدى ليالي رمضان في ديسمبر 2001 جلسنا في غرفة الاستقبال في المكتب مستمتعين باحتساء الشاي أنا وبهجت وبشير وأخذت أشرح لهما طبيعة ما أقوم به من بحث ثم جاء أحد أعضاء الجمعية ليرحب بي ثم ذكر عضواً آخر من أعضاء الجمعية أنه أرسل مؤخراً خطاب يحوي شكوى لمحطة التلفزيون المصري الأولى مدارها حول إذاعة إحدى مسلسلات رمضان التلفزيونية في رمضان وكانت قصة المسلسل إحدى مؤلفات الروائي المصري نجيب محفوظ الذي فاز بجائزة نوبل وكانت تحت عنوان "حديث الصباح والمساء" قصتها تدور زمنياً في القرن التاسع عشر ، بطل المسلسل أرستقراطي فاسق تزوج أخر حياته من خادمته السمراء المُسماة "جواهر"، بينما ترك زوجته الأرستقراطية وأولاده. وعلى ما يبدو كان احتجاج نادي النوبيين المقدّم إلى قناة التلفزيون نظراً لظهور شخصية جواهر على الشاشة بشكل غير لائق، كما كانت الخلفية الموسيقية للمسلسل موسيقى منم الترانيم النوبية . طبيعة اعتراض الجمعية هو حقيقة أن النوبيين لم يُستعبدوا هكذا، فضلاً عن أن شخصية جواهر لم تكن نوبية. لذا، فقد تصرّف مبدعو المسلسل بشكل غير لائق إثر بثّهم للموسيقى النوبية كخلفية للمسلسل المعروض على الشاشة.
مثل حجّاج أدول وبعض المثقفين النوبيين الذين حضروا إلى جمعية التراث النوبي وأعربوا عن قلقهم الكبير لعرض صورة النوبيين تكريسها بشكل سئ في وسائل الإعلام التي تظهرهم في أعمال مهنية أدني كحراس منازل أو خدم بما يعكس تأدب ذوي الياقات البيضاء الشديد كيف يكون؟. ولتقدير درجة قابلية طبقة النوبيين للهجرة مثل الكثير من الريفيين وخلال مرحلة التعليم دخل ذوو الياقات البيضاء إلى المهن المختلفة مثل غيرهم من المهاجرين وفي داخلهم إيمان بتصحيح الصورة المشوشة عن النوبيين كأحد أبناء صحراء إفريقيا الكُبرى و/ أو باعتبارهم في الأصل عبيد بدلا من كونهم أبناء وادي النيل، وفي موازاة ذلك يأتي اعتراضهم على إلصاق صفة البرابرة بهم.
يريد النوبيون –أيضاً- أن يمحوا الأفكار الإعلامية التي تتكرر دوماً عنهم في الأفلام المصرية القديمة التي تصور الفترة ما قبل ثورة 1952، كما يُعاد الأمر نفسه دوليا أكثر عبر تلفزيونات القمر الصناعي. تجسّد هذه الأفلام تاريخ النوبيين على أنهم في المنزلة الأدنى خلال الحرف التي يعملون بها في الأعمال الخدمية داخل سياق حياة المدينة. إن ارتباط فعل الاستعباد بالنوبيين أنفسهم كخدم مرفوض على مستويات عِدّة كما سبق أن أسلفنا، فقد اعتبر النوبيون مناسبون أكثر للعمل في الأعمال الخدمية بسبب الاقتران التاريخي بالمحو (أى إلغاء وجودهم) وأيضاً نظراً للمهن التي يعملون بها في المدن.
شارك النوبيون أنفسهم في تجارة العبيد كمالكين لهم، وقد أدّى ذلك الدور كبار السِن من أجيال النوبة الأولى في أواخر القرن التاسع عشر، اثنان من البرابرة من قرية "أبريم" في النوبة كانوا المسؤولين عن توريد العبيد إلى الشمال حيث مدينة القاهرة، كما كوّنا سوقاً للعبيد في الإسكندرية (واليز-1978-ص247) .
استجلب النوبيون العبيد بشكل خاص من مناطق النوبة الجنوبية من بين "الكُشّاف" وقبائل ملاك الأراضي التي تؤرخ أصولهم إلى الاحتلال العثماني للنوبة الذي كان في القرن السادس عشر، مما سمح بالتزاوج بينهم وبين سكّان الأرض الأصليين (فراز وجارسترز1973-ص11-12)
العائلات المُستعبدة وكذلك سلالاتهم شكّلوا جزءً من صغار المزارعين الأُجريين بلا أرض (حامد 1994) حتى مرحلة الانتقال في عام 1960 كانت التجمعات النوبية تمثل مصالح الأسر من ملاك الأرض في المدن (حامد 1994- ص139) هكذا كان مجتمع امتلاك العبيد لديه نفسه إجحاف تاريخي عميق حيث حدد أماكن العبيد الحاليين والمزارعين السابقين ذوات الأصول الإفريقية في وضع اجتماعي أدنى(للمزيد عن موضوع العبودية في النوبة انظر فرناند وجاستر 1973-ص 36، والـ"كاتشا" 1978- وكينيدي 1977-1978 ووالز 1978) .
أيضاً كان الاعتراض النوبي على المسلسل التليفزيوني الرمضاني هدفه المعنى غير الدقيق الذي يجعل النوبيين أنفسهم كانوا مستعبدين مثل الآخرين، كما أن استخدام الموسيقى النوبية قد سهّل للمشاهدين إدراك ذلك الأمر في حد ذاته بما أحدث إساءة للنوبيين فى صورتهم المقدمة عبر شخصية الخادمة.
إن ترسيخ صفة الخدم للنوبيين فكرة شاعت في الأفلام القديمة ، وقد ساعد وجود وجهة النظر نفسها في وسائل الإعلام كعامل مهم ومؤثر في تشكيل صورة عامة عن النوبيين في المجتمع المصري بينما تستنهض الجمعيات الأهلية النوبية نفسها عبر الزمن والجهد لمواجهة التصورات الإعلامية التي يرسخها الإعلام المصري. لذلك يستقرون على مقربة من مبنى الإذاعة والتلفزيون المصري في قلب مدينة القاهرة. وهناك –أيضاً- مقار عدّة صحف رئيسية مصرية، الأحاديث الإعلامية والمناقشات حول صورة النوبيين كلها تأخذ موضع النقاش فى الجمعيات الأهلية ، والعدد القليل من الأعضاء قد يظهر او يساهم في التلفزيون والبرامج الإذاعية كلما أتيح له الحديث في ذلك. وللمزيد من المساعدة يوفرون لمعدين البرامج الإعلامية مجالاً يسيراً للاتصال بالعائلات النوبية والأصدقاء في أسوان وكذلك في مواطنهم ببعض القرى.
فضلاً عن تنظيم المقابلات والعمل كمستشارين عندما يُسألون عن العادات والتقاليد واللغة النوبة الى جانب تنظيم الزيارات والأعمال المنزلية.
ليست مناقشات الأعضاء المستمرة –بشكل ثابت- الوحيدة المعبرة عن جهودهم الخاصة، لكن الصورة الإعلامية المنتجة عنهم تحدث دونما يتدخلون . ففى الزيارات التى شهدتها على مدار صيفين فى 1997-1999، وكذلك أثناء علمي 2001-2002 ناقش الأعضاء قاعدة يرسخونها أسبوعياً لمناقشة ما يُقدّم من برامج إذاعية دقيقة وموثوق بها. لذلك فى الروايات والأفلام وأداء الرقصات الشعبية والمسرح والمقالات الصحفية المتعددة في الجرائد التى تعرض لصورة النوبيين أو موضوعات عن النوبة في أغلب الأحيان يتذمر النوبيون من عملية البث الإعلامي.
لذا استحث أعضاء الجمعيات الأهلية النوبية بعضهم البعض على استنهاض المسؤولية دائماً لتصوير تراث النوبة بدقة لمنتجي الأعمال الدرامية عن النوبة، هذا وإلا يمكن أن يبحثوا عن أى رجل أسمر كبير السن يتلو تاريخهم[13] .
غدا في الحلقه الرابعه