زلة قلم
تعد منطقة عابدين بوسط مدينة القاهرة محور التواجد الاجتماعي للجيل الأول من النوبيين مثل السيد علي الذي ولد وترعرع في إحدى القرى النوبية العتيقة التي وُجِدَت قبل عام 1960 ثم انتقل كثير من النوبيين إلى الإقامة في القاهرة منذ النصف الأول من القرن العشرين عندما هاجر آباءهم وأجدادهم من النوبة سعياً الى مًدن الشمال الوثيرة.
عادة عمِل المهاجرون النوبيون الأولون في الوظائف الخَدمية كأن يكونوا حُرّاس عقارات أو طُهاة في قصور الأحياء الراقية أو في العمارات السكنية الفارهة أو في الفنادق في المدينة التى كان معقلها آنذاك في يد السلطة السياسية. أما الآن، فيجتمع النوبيون في عابدين حيث التجمعات الثقافية النوبية ، وكذلك جمعية قرية أرمينَّا الأهلية التي نشأت بمبدأ الاعتماد على الجهود الذاتية فضلا عن تقديم مساعدات خدمية مادية للنوبيين مثل المساعدة في إخراج جنازة أو تقديم بعض الأشياء الترفيهية او المساعدات التربوية مثل تعليم دروس العربية والإنجليزية. فهو مكان للتجمع الاجتماعي والسعي للتعاون المتبادل بين أبناء النوبة.
الجمعيتان(أرمينا والتراث النوبي) كانتا –لمدة طويلة- معقلا للإيواء الجماعات النوبية المنشقة التى لا تحمل هوية رسمية والتى فرت من النوبة هرباً من فيضان السد وكتعويض مناسب لها ومن العمل في الأعمال الخدمية مثل المداري النوبية –رويداً- منذ العشرينيات من القرن الماضي (صالح-200-ص259-260) .
تأسست الجمعيتان كمركزين مستقلين قبل أن توجد وزارة الشؤون الاجتماعية الحالية التي تسجل كل الجمعيات الأهلية الآن بوساطة مراقب منها مع تقديم إشعار رسمي بدعم مالي بسيط من قِبل الوزارة (للمزيد من التفاصيل عن الجمعيات انظر جريزر 1986 ص199-209- بوسيشك 1996 ص 68-82) تقع الجمعيتان (أرمينا والتراث النوبي) بين منطقتين رئيسيتين ارتبطا إبان عهد الخديو إسماعيل في القرن التاسع عشر في منطقة قصر عابدين ومنطقة ميدان التحرير بوسط مدينة القاهرة، في مبني سكني بعد عدد من المقاهي المزدحمة والمتاجر وكذلك المسجد[7].
حدث اللقاء الذي دعا إليه السيد على جميع المتخاصمين (خيري شلبي والكًتّاب النوبيين) في جمعية التراث النوبي وكان أحد الحضور الروائي النوبي عضو الجمعية حجاج أدول الذي اعتذر لخيري بشكل شخصي في مقال تحت عنوان (خيري الجميل .. لعلك بخير) أو بالنوبية (خيري آشري.. ماس-كاجنا) (أدول 2001). دافع أدول في مقاله عن خيري شلبي كأحد المثقفين المصريين القلائل الذين يحضون باحترام النوبيين عندما كتب أوائل عام 1990 عن الأدب النوبي[8] ومن ثم كان أول من استخدم هذا الاصطلاح مُشيراً إلى نصوصهم، بينما لم يذكرهم نقاد الأدب المصريين سوى بشكل عدائي ومن هنا نُعت هذا الأدب بالعنصري والانفصالي (أدول 1993) وقد اعتذر عن شلبي الذي نعت قهوة النوبيين بقهوة البرابرة ، وقد اعتبر ذلك الخطأ مجرد زلة قلم ذلك لأن خيري شلبي نفسه على خلاف آخرين من المثقفين لم يكن عنصرياً ، وعلى ذلك لم يقصد –فعلاً- أن يؤذى مشاعر النوبيين.
على أية حال، استطاع أدول أن يبرئ شلبي كما جعل أدول ذلك الحدث فرصة لإثارة الانتباه إلى ثلاث قضايا طالما ظلت مؤرقة باستمرار للنوبيين. الأولى؛ استنكاره للاستعباد لأي بشر يحملون البشرة الداكنة (سمراء كانت أم سوداء) خاصة في وسائل الإعلام المصرية. الثانية، ناقش اتهام النوبيين بالانفصالية لأنهم يتكلمون وينمون إحياء إنعاش اللغة النوبية. الثالثة، انتقد أدول إخفاق الحكومة في تعويض النوبيين الذين فقدوا مأواهم في القرى النوبية ومن ثم بدا ترحيلهم منذ 1960.
خلال مقالته انتقل حجاج أدول للحديث عن ثلاث قضايا في لغة معبرة تحمل قدر من الانفعال بالقضية التي يطرحها عن حقوق الموطنة للنوبيين ذلك الحق الذي تجسّد –على حد سواء- مع التحكم الرسمي الإعلامي الذي يتغافل عن لون البشرة ، وحقوق اللغة النوبية على سبيل الاعتراف بها كجزء من التراث الوطني وحقوق النوبيين المدنية وكذلك التعويضات التي كان يجب أن تمنح لهم من قِبل الحكومة المصرية نظراً لفقد مأواهم.
أولا أشار مقال أدول في استهلاله إلى أوائل الستينيات حيث كان التلفزيون المصري يقع تحت سُلطة وزارة الإعلام قائلاً"هل شاهدت مذيع أو مذيعة سوداء في تليفزيون مصر؟ منذ نشأة تليفزيون ماسبيرو الفاضل وحتى الآن لم يقبل أي من أصحاب البشرة السوداء ليعمل كمذيع أو مذيعة. ربما من هو أسمر خفيف، لكن السود، لا. وكأن اللون الأسود عورة تجلب العار على مصر وتفضح افريقيتها. (أدول 2001) . لقد انصبّ جداله على أن لون البشرة الداكن إنما يدل ضمناً على الانتساب لإفريقيا ، مما يؤول إلى خلل اجتماعي مُخزي يجلب العار على مصر وكأن اللون الأسود يجلب الخزي لها ويفضح افريقيتها ثم يستمر أدول قائلاً" علينا أن نصمت وكأننا لسنا مواطنين مصريين، علينا فقط أن نضحي من أجل الوطن الكبير مصر ونؤدي ما علينا من واجبات لكن ليس من حقنا أن نأخذ مالنا من حقوق؟ أو أننا لسنا من نفس المستوى الذي عليه أصحاب اللون القمحي أو الأقرب إلى البياض؟" (أدول 2001).
استمر أدول معرباً عن قلقه لأن بقاء اللغة النوبية مرهوناً بالترجمة وكأن في ذلك ميول انفصالية تؤدي إلى الهجوم على اللغة العربية وتقسيم وعزل النوبة إيذاناً باستقلالها. لكن ذلك –حقيقة- نوع من "الكلام المُرسل" وفي النهاية شدّد على أن الحكومة المصرية يجب أن تلتزم بوعدها الذي يبلغ من العمر أربعين عاماً متمثلاً في تعويض تلك الضحايا الذين رحلوا عن مأواهم بالنوبة جراء بناء السد العالي بعد أن إنهال عليهم الفيضان مما حال دون استقرارهم آنئذٍ. ومن ثم، عُرفوا بالمغتربين أو المهاجرين الرُحّل، ثم لم يتسلموا مأوييهم ويرتحلوا الى النوبة الجدية على الرغم من الوعود الأولية التى ألت بها الدولة على نفسها.
قرر أدول أن إلصاق صفة البرابرة بالمقهي (قهوة البرابرة) إجحافاً مشابه لعدم ظهور ذوات البشرة الداكنة في وسائل الإعلام التى لم تكن بمنأى عن حقوق المواطنة ووطنية النوبيين الذين ضحّوا ببيوتهم ووطنهم من أجل الأمة ، ولم يكن جزاءهم سوى الاتهام بالانفصالية[9].
يقع المقهى[10] الذى حدده خيري شلبي في مقاله بميدان التحرير الذى يرتبط بشارع ممتد حتى ميدان عابدين وأيضاً يقع في منطقة مركزية إلى جوار أحياء مهمة منها قصر النيل والازبكية وكذلك بولاق حيث يذكر التاريخ نزوح معظم النوبيين إليها من أجل العمل والإقامة (جزار1986) . عامة أطلق على هذا المقهى"مقهى البرابرة"نظراً لتردد العُمّال النوبيين والسودانيين عليه، إضافة الى قربه من أماكن عملهم بوسط المدينة وكذلك بأماكن إقامتهم. هكذا تم تداول مُسمّى "قهوة البرابرة" وقد دمغه استقرار مجموعة من النوبيين مكانياً وعنصرياً في الطريق المؤدية إليه، بما يجعل التنافس –حتى اليوم- علنياً لإثبات وجودهم ومن ثم تجاوز تلك الفكرة.
على الرغم من أن الرجال النوبيين المهاجرين كانوا يعملون كأُجريين[11] في الأحياء المصرية المتمدنة وذلك بعد أن انتهى[12] زمن الرقيق/ الاستعباد مع نهاية القرن التاسع عش ، ثم حلَّ النوبيون محلهم في أماكن الخدمة كأجريين حيث حافظت الطبقة الأرستقراطية نفسها على أن يكون لديها النظام الخَدَمي السابق لكن بوساطة النوبيين. ثم أن شَغل النوبيين لتلك الوظائف والظهور عبرها ارتبط في الوعي الشعبي العام أو في العقلية المصرية السائدة بالعبودية أو بما يشبه الرقيق. لذلك، بات طبيعياً "التلازم" بين الاستعباد والأشغال الشاقة فى الذهن العام بما يتناسب بشكل خاص مع ذلك العمل (فيرنا وجيرسير 1973-ص36-37) .
إن تسمية "البرابرة" ترتبط ليس طبقاً للموقع الجغرافي الحضري للقاهرة فحسب؛ بل أيضاً في الإسكندرية ومُدن القناة كعلامة على وضع الطبقة الدُنيا في موقع الخدم لدى الأغنياء والشغل لدى الأرستقراطيين والمحتلين الأجانب.
صورة النوبيين التي أناقشها هم الذين تبعوا نهج البرابرة ، العبيد، الأفارقة أو السود وقد استفحل إنتاج تلك الصورة خاصة في الأماكن المتحضرة التي ترتكز في القاهرة، وتكرسها وسائل الإعلام والجرائد الرسمية وكذلك المتاحف. وفيها يتم مناقشة الحيز الأساسي الذي يحتله هؤلاء النوبيين في المدن وكذلك في الجمعيات الثقافية، على أية حال، فما سأراه هو الذي سيبين إن كان النوبيين مع أو ضد أوضاعهم مفاضلة حسب شغر أماكن إقامتهم وكذلك الطبقة الاجتماعية والجنس.
غدا الحلقه الثالثه من الكتاب
تعد منطقة عابدين بوسط مدينة القاهرة محور التواجد الاجتماعي للجيل الأول من النوبيين مثل السيد علي الذي ولد وترعرع في إحدى القرى النوبية العتيقة التي وُجِدَت قبل عام 1960 ثم انتقل كثير من النوبيين إلى الإقامة في القاهرة منذ النصف الأول من القرن العشرين عندما هاجر آباءهم وأجدادهم من النوبة سعياً الى مًدن الشمال الوثيرة.
عادة عمِل المهاجرون النوبيون الأولون في الوظائف الخَدمية كأن يكونوا حُرّاس عقارات أو طُهاة في قصور الأحياء الراقية أو في العمارات السكنية الفارهة أو في الفنادق في المدينة التى كان معقلها آنذاك في يد السلطة السياسية. أما الآن، فيجتمع النوبيون في عابدين حيث التجمعات الثقافية النوبية ، وكذلك جمعية قرية أرمينَّا الأهلية التي نشأت بمبدأ الاعتماد على الجهود الذاتية فضلا عن تقديم مساعدات خدمية مادية للنوبيين مثل المساعدة في إخراج جنازة أو تقديم بعض الأشياء الترفيهية او المساعدات التربوية مثل تعليم دروس العربية والإنجليزية. فهو مكان للتجمع الاجتماعي والسعي للتعاون المتبادل بين أبناء النوبة.
الجمعيتان(أرمينا والتراث النوبي) كانتا –لمدة طويلة- معقلا للإيواء الجماعات النوبية المنشقة التى لا تحمل هوية رسمية والتى فرت من النوبة هرباً من فيضان السد وكتعويض مناسب لها ومن العمل في الأعمال الخدمية مثل المداري النوبية –رويداً- منذ العشرينيات من القرن الماضي (صالح-200-ص259-260) .
تأسست الجمعيتان كمركزين مستقلين قبل أن توجد وزارة الشؤون الاجتماعية الحالية التي تسجل كل الجمعيات الأهلية الآن بوساطة مراقب منها مع تقديم إشعار رسمي بدعم مالي بسيط من قِبل الوزارة (للمزيد من التفاصيل عن الجمعيات انظر جريزر 1986 ص199-209- بوسيشك 1996 ص 68-82) تقع الجمعيتان (أرمينا والتراث النوبي) بين منطقتين رئيسيتين ارتبطا إبان عهد الخديو إسماعيل في القرن التاسع عشر في منطقة قصر عابدين ومنطقة ميدان التحرير بوسط مدينة القاهرة، في مبني سكني بعد عدد من المقاهي المزدحمة والمتاجر وكذلك المسجد[7].
حدث اللقاء الذي دعا إليه السيد على جميع المتخاصمين (خيري شلبي والكًتّاب النوبيين) في جمعية التراث النوبي وكان أحد الحضور الروائي النوبي عضو الجمعية حجاج أدول الذي اعتذر لخيري بشكل شخصي في مقال تحت عنوان (خيري الجميل .. لعلك بخير) أو بالنوبية (خيري آشري.. ماس-كاجنا) (أدول 2001). دافع أدول في مقاله عن خيري شلبي كأحد المثقفين المصريين القلائل الذين يحضون باحترام النوبيين عندما كتب أوائل عام 1990 عن الأدب النوبي[8] ومن ثم كان أول من استخدم هذا الاصطلاح مُشيراً إلى نصوصهم، بينما لم يذكرهم نقاد الأدب المصريين سوى بشكل عدائي ومن هنا نُعت هذا الأدب بالعنصري والانفصالي (أدول 1993) وقد اعتذر عن شلبي الذي نعت قهوة النوبيين بقهوة البرابرة ، وقد اعتبر ذلك الخطأ مجرد زلة قلم ذلك لأن خيري شلبي نفسه على خلاف آخرين من المثقفين لم يكن عنصرياً ، وعلى ذلك لم يقصد –فعلاً- أن يؤذى مشاعر النوبيين.
على أية حال، استطاع أدول أن يبرئ شلبي كما جعل أدول ذلك الحدث فرصة لإثارة الانتباه إلى ثلاث قضايا طالما ظلت مؤرقة باستمرار للنوبيين. الأولى؛ استنكاره للاستعباد لأي بشر يحملون البشرة الداكنة (سمراء كانت أم سوداء) خاصة في وسائل الإعلام المصرية. الثانية، ناقش اتهام النوبيين بالانفصالية لأنهم يتكلمون وينمون إحياء إنعاش اللغة النوبية. الثالثة، انتقد أدول إخفاق الحكومة في تعويض النوبيين الذين فقدوا مأواهم في القرى النوبية ومن ثم بدا ترحيلهم منذ 1960.
خلال مقالته انتقل حجاج أدول للحديث عن ثلاث قضايا في لغة معبرة تحمل قدر من الانفعال بالقضية التي يطرحها عن حقوق الموطنة للنوبيين ذلك الحق الذي تجسّد –على حد سواء- مع التحكم الرسمي الإعلامي الذي يتغافل عن لون البشرة ، وحقوق اللغة النوبية على سبيل الاعتراف بها كجزء من التراث الوطني وحقوق النوبيين المدنية وكذلك التعويضات التي كان يجب أن تمنح لهم من قِبل الحكومة المصرية نظراً لفقد مأواهم.
أولا أشار مقال أدول في استهلاله إلى أوائل الستينيات حيث كان التلفزيون المصري يقع تحت سُلطة وزارة الإعلام قائلاً"هل شاهدت مذيع أو مذيعة سوداء في تليفزيون مصر؟ منذ نشأة تليفزيون ماسبيرو الفاضل وحتى الآن لم يقبل أي من أصحاب البشرة السوداء ليعمل كمذيع أو مذيعة. ربما من هو أسمر خفيف، لكن السود، لا. وكأن اللون الأسود عورة تجلب العار على مصر وتفضح افريقيتها. (أدول 2001) . لقد انصبّ جداله على أن لون البشرة الداكن إنما يدل ضمناً على الانتساب لإفريقيا ، مما يؤول إلى خلل اجتماعي مُخزي يجلب العار على مصر وكأن اللون الأسود يجلب الخزي لها ويفضح افريقيتها ثم يستمر أدول قائلاً" علينا أن نصمت وكأننا لسنا مواطنين مصريين، علينا فقط أن نضحي من أجل الوطن الكبير مصر ونؤدي ما علينا من واجبات لكن ليس من حقنا أن نأخذ مالنا من حقوق؟ أو أننا لسنا من نفس المستوى الذي عليه أصحاب اللون القمحي أو الأقرب إلى البياض؟" (أدول 2001).
استمر أدول معرباً عن قلقه لأن بقاء اللغة النوبية مرهوناً بالترجمة وكأن في ذلك ميول انفصالية تؤدي إلى الهجوم على اللغة العربية وتقسيم وعزل النوبة إيذاناً باستقلالها. لكن ذلك –حقيقة- نوع من "الكلام المُرسل" وفي النهاية شدّد على أن الحكومة المصرية يجب أن تلتزم بوعدها الذي يبلغ من العمر أربعين عاماً متمثلاً في تعويض تلك الضحايا الذين رحلوا عن مأواهم بالنوبة جراء بناء السد العالي بعد أن إنهال عليهم الفيضان مما حال دون استقرارهم آنئذٍ. ومن ثم، عُرفوا بالمغتربين أو المهاجرين الرُحّل، ثم لم يتسلموا مأوييهم ويرتحلوا الى النوبة الجدية على الرغم من الوعود الأولية التى ألت بها الدولة على نفسها.
قرر أدول أن إلصاق صفة البرابرة بالمقهي (قهوة البرابرة) إجحافاً مشابه لعدم ظهور ذوات البشرة الداكنة في وسائل الإعلام التى لم تكن بمنأى عن حقوق المواطنة ووطنية النوبيين الذين ضحّوا ببيوتهم ووطنهم من أجل الأمة ، ولم يكن جزاءهم سوى الاتهام بالانفصالية[9].
يقع المقهى[10] الذى حدده خيري شلبي في مقاله بميدان التحرير الذى يرتبط بشارع ممتد حتى ميدان عابدين وأيضاً يقع في منطقة مركزية إلى جوار أحياء مهمة منها قصر النيل والازبكية وكذلك بولاق حيث يذكر التاريخ نزوح معظم النوبيين إليها من أجل العمل والإقامة (جزار1986) . عامة أطلق على هذا المقهى"مقهى البرابرة"نظراً لتردد العُمّال النوبيين والسودانيين عليه، إضافة الى قربه من أماكن عملهم بوسط المدينة وكذلك بأماكن إقامتهم. هكذا تم تداول مُسمّى "قهوة البرابرة" وقد دمغه استقرار مجموعة من النوبيين مكانياً وعنصرياً في الطريق المؤدية إليه، بما يجعل التنافس –حتى اليوم- علنياً لإثبات وجودهم ومن ثم تجاوز تلك الفكرة.
على الرغم من أن الرجال النوبيين المهاجرين كانوا يعملون كأُجريين[11] في الأحياء المصرية المتمدنة وذلك بعد أن انتهى[12] زمن الرقيق/ الاستعباد مع نهاية القرن التاسع عش ، ثم حلَّ النوبيون محلهم في أماكن الخدمة كأجريين حيث حافظت الطبقة الأرستقراطية نفسها على أن يكون لديها النظام الخَدَمي السابق لكن بوساطة النوبيين. ثم أن شَغل النوبيين لتلك الوظائف والظهور عبرها ارتبط في الوعي الشعبي العام أو في العقلية المصرية السائدة بالعبودية أو بما يشبه الرقيق. لذلك، بات طبيعياً "التلازم" بين الاستعباد والأشغال الشاقة فى الذهن العام بما يتناسب بشكل خاص مع ذلك العمل (فيرنا وجيرسير 1973-ص36-37) .
إن تسمية "البرابرة" ترتبط ليس طبقاً للموقع الجغرافي الحضري للقاهرة فحسب؛ بل أيضاً في الإسكندرية ومُدن القناة كعلامة على وضع الطبقة الدُنيا في موقع الخدم لدى الأغنياء والشغل لدى الأرستقراطيين والمحتلين الأجانب.
صورة النوبيين التي أناقشها هم الذين تبعوا نهج البرابرة ، العبيد، الأفارقة أو السود وقد استفحل إنتاج تلك الصورة خاصة في الأماكن المتحضرة التي ترتكز في القاهرة، وتكرسها وسائل الإعلام والجرائد الرسمية وكذلك المتاحف. وفيها يتم مناقشة الحيز الأساسي الذي يحتله هؤلاء النوبيين في المدن وكذلك في الجمعيات الثقافية، على أية حال، فما سأراه هو الذي سيبين إن كان النوبيين مع أو ضد أوضاعهم مفاضلة حسب شغر أماكن إقامتهم وكذلك الطبقة الاجتماعية والجنس.
غدا الحلقه الثالثه من الكتاب