مــنــتــديــات بـــــلاد الـــــدهــــب

مرحبا بكم في شبكة بـــلاد الـــدهـــب

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

مــنــتــديــات بـــــلاد الـــــدهــــب

مرحبا بكم في شبكة بـــلاد الـــدهـــب

مــنــتــديــات بـــــلاد الـــــدهــــب

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
مــنــتــديــات بـــــلاد الـــــدهــــب

شـــبـــكـــة شـــبـــابـــيـــة نـــوبـــيـــة


    عَبدُ الله بنُ عَبَّاسٍ

    srag
    srag
    عضو ممتاز
    عضو ممتاز


    عَبدُ الله بنُ عَبَّاسٍ Empty عَبدُ الله بنُ عَبَّاسٍ

    مُساهمة من طرف srag الأحد 09 مايو 2010, 5:43 am

    --------------------------------------------------------------------------------

    عَبدُ الله بنُ عَبَّاسٍ
    حَبْرُ أمَّةِ محمد*صلى الله عليه وسلم*
    ***

    ((إنّه فتى الكهول ، له لسان سؤول ، وقلب عقول)) ... ]عمر بن الخطّاب رضي الله عنه[
    ..........

    هذا الصّحابيّ الجليل مَلَكَ المجد من أطرافه ، فما فاته منه شيء :
    فقد اجتمع له مجد الصُّحبة ، ولو تأخّر ميلاده قليلاً لما شَرُف بصُحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    ومجد القرابة ، فهو ابن عمّ نبي الله صلوات الله وسلامه عليه .
    ومجد العِلم ، فهو حَبْرُ أمة محمد وبحر علمها الزّاخر .(حَبْرُ: العالم المتبحّر في العلم)
    ومجد التُّقى ، فقد كان صوّاماً بالنهار قوّاماً بالليل ، مُستغفراً بالأسحار ، بَكَّاءً من خشية الله حتّى خدّد(أي: حفَر) الدمع خدَّيه .
    إنّه عبد الله بن عبّاس ربَّانيُّ أمّة محمد (الرّبانيّ: العالم العارف بالله) ، وأعلمها بكتاب الله ، وأفقهها بتأويله ، وأقدرها على النفوذ إلى أغواره ، وإدراك مراميه وأسراره .
    وُلِد ابن عبّاس قبل الهجرة بثلاث سنوات ، ولمّا توفّي الرسول صلوات الله وسلامه عليه ، كان له ثلاث عشرة سنة فقط ... ومع ذلك فقد حفظ للمسلمين عن نبيّهم ألفاً وستمائة وستّين حديثاً أثبتها البُخاريّ ومُسلم في صحيحهما .
    ولمّا وضعته أمُّه حملته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحنَّكه بريقه(حنّكه:دلّك حلقه بريقه قبل أن يرضع) ، فكان أول ما دخل جوفه ريق النبي المبارك الطّاهر ، ودخلت معه التقوى والحكمة ...

    ((( وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ))) : البقرة: 269
    وما أن حلَّت عن الغلام الهاشميِّ تمائمه ، ودخل سنَّ التمييز (سن التمييز: هو سن السابعة، وقيل غير ذلك) حتّى لازم رسول الله صلى الله عليه وسلم مُلازمة العين لأختها ...
    فكان يُعِدُّ له ماء وضوئه إذا همَّ أن يتوضَّأ ... ويقف خلفه إذا وقف للصلاة ... ويكون رديفه إذا عزم على السفر (رديف الرجل: من يركب خلفه) .
    حتّى غدا كظلّه يسير معه أنّى سار ، ويدور في فلكه كيفما دار .
    وهو في كل ذلك يحمل بين جنبيه قلباً واعياً ، وذهناً صافياً ، وحافظة دونها كل آلات التسجيل التي عرفها العصر الحديث .
    حدَّث عن نفسه قال :
    همَّ رسول الله صلوات الله وسلامه عليه بالوضوء ذات مرّة ؛ فما أسرع أن أعددت له الماء ، فسُرَّ بما صنعت ...
    ولمّا همَّ بالصلاة أشار إليَّ : أن أقف بإزائه(أي: بجنبه) ، فوقفت خلفه .
    فلمّا انتهتِ الصلاة مال عليَّ وقال :
    ((ما منعكَ أن تكون بإزائي يا عبد الله ؟!)) .
    فقلت : أنت أجلُّ في عيني وأعز من أن أوازيك يا رسول الله .
    فرفع يديه إلى السماء وقال : (( اللّهم آتِهِ الحِكمة )) .
    وقد استجاب الله دعوة نبيّه عليه الصلاة والسلام فآتى الغُلام الهاشميّ من الحكمة ما فاق به أساطين الحكماء (أساطين الحكماء: أكابر الحكماء والمتفرّدون منهم) .
    ولا ريب في أنّك تودُّ أن تقف على صورة من صور حكمة عبد الله بن عبّاس ... فإليك هذا الموقف ، ففيه بعض ممّا تريد :
    لمّا اعتزل بعض أصحاب علي وخذلوه في نزاعه مع معاوية رضي الله عنهما ، قال عبد الله بن عبّاس لعلي رضي الله عنه :
    ائذن لي ، يا أمير المؤمنين ، أن آتي القوم وأكلّمهم .
    فقال : إنّي أتخوّف عليك منهم .
    فقال : كلا إن شاء الله .
    ثمّ دخل عليهم فلم يَرَ قوماً قطُّ أشدّ اجتهاداً منهم في العبادة .
    فقالوا : مرحباً بك يا بن عبّاس ... ما جاء بِكَ ؟!
    فقال : جئت أحدّثكم .
    فقال بعضهم : لا تحدّثوه ... وقال بعضهم : قُل نسمع منك .
    فقال : أخبروني ما تنقِمون على ابن عمّ رسول الله ، وزوج ابنته ، وأوّل من آمن به ؟! .
    قالوا : ننقم عليه ثلاث أمور .
    قال : وما هي ؟! .
    قالوا : أوّلها : أنّه حكَّم الرّجال في دين الله (يشيرون بذلك إلى قبول علي بأن يحكم بينه وبين معاوية كلّ من أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص) ...
    وثانيهما : أنّه قاتل عائشة ومعاوية ولم يأخذ غنائم ولا سبايا ...
    وثالثهما : أنّه محا عن نفسه لقب أمير المؤمنين مع أنّ المسلمين قد بايعوه وأمَّروه .
    فقال : أرأيتم إن أسمعتكم من كتاب الله ، وحدّثتكم من حديث رسول الله ما لا تنكرونه ، أفترجعون عمّا أنتم فيه ؟ .
    قالوا : نعم .
    قال : أمّا قولكم : إنّه حكَّم الرجال في دين الله ، فالله سبحانه وتعالى يقول :

    ((( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ ))) : المائدة: 95
    أُنشدكم الله ، أفَحُكمُ الرّجال في حقنِ دمائهم وأنفسهم ، وصلاح ذات بينهم أحقُّ ، أم حُكمهم في أرنب ثمنها رُبع درهم ؟! .
    فقالوا : بل في حقن دماء المسلمين وصلاح ذات بينهم .
    فقال : أَخرَجنا من هذه ؟(أي: هل انتهينا من هذه؟) ... فقالوا : اللَّهمَّ نعم .
    قال : وأمّا قولكم : إنَّ عليَّاً قاتَلَ ولم يَسبِ ، كما سَبَى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    أفكنتم تريدون أن تسبوا أمّكم عائشة وتستحلّونها كما تُستحلّ السّبايا ؟! ...
    فإن قلتم : نعم ؛ فقد كفرتم ..
    وإن قلتم : إنّها ليست بِأُمّكم كفرتم أيضاً ؛ فالله سبحانه وتعالى يقول :

    ((( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ))) :الأحزاب:6
    فاختاروا لأنفسكم ما شئتم .
    ثمّ قال : أخرجنا من هذه أيضاً ؟ ... قالوا : اللّهمّ نعم .
    قال : وأمّا قولكم : إنّ عليَّاً قد محا عن نفسه لقب إمرة المؤمنين ، فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين طلب من المشركين يوم ((الحُدَيبيّة)) أن يكتبوا في الصُّلح الذي عقده معهم ((هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله)) .. قالوا : لو كنّا نؤمن أنّك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ، ولكن اكتب ((محمد بن عبد الله)) ، فنزل عند طلبهم وهو يقول :
    والله إنّي لرسول الله وإن كذّبتموني .
    فهل خرجنا من هذه ؟ ... فقالوا : اللّهمّ نعم .
    وكان من ثمرة هذا اللّقاء ، وما أظهره فيه عبد الله بن عبّاس من حكمة بالغة وحجّة دامغة أن عاد منهم عشرون ألفاً إلى صفوف علي ، وأصرّ أربعة آلاف على خصومتهم له عناداً وإعراضاً عن الحقّ .
    وقد سلك الفتى عبد الله بن عبّاس إلى العلم كل سبيل ، وبذل من أجل تحصيله كل جهد .
    فقد ظلَّ ينهل من معين رسول الله صلى الله عليه وسلم ما امتدّت به الحياة ، فلمّا لحِق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بجوار ربّه اتّجه إلى البقيّة الباقية من علماء الصّحابة وطفق يأخذ منهم ويتلقّى عنهم .
    حدّث عن نفسه قال :
    كان إذا بلغني الحديث عند رجل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أتيت باب بيته في وقت قيلولته وتوسّدت ردائي عند عتبة داره ، فيسفي عليَّ الرّيح من التراب ما يسفي (يسفي: يحمل) ، ولو شئت أن أستأذن عليه لأذن لي ...وإنّما كنت أفعل ذلك لأطيّب نفسه .
    فإذا خرج من بيته رآني على هذه الحال ؛ وقال : يا بن عمّ رسول الله ، ما جاء بِكَ ؟ ... هلّا أرسلت إليَّ فآتيك ؟ .
    فأقول: أنا أحقُّ بالمجيء إليك ، فالعلم يُؤتى ولا يأتي ، ثمّ أسأله عن الحديث .
    وكما كان عبد الله بن عبّاس يُذِلُّ نفسه في طلب العلم ؛ فقد كان يُعلي من قدر العلماء .
    فها هو ذا زيد بن ثابت كاتب الوحي ورأس أهل المدينة في القضاء والفقه والقراءة والفرائض (الفرائض: عِلم قسمة التركة على مستحقّيها) يهِمُّ بركوب دابّته فيقف الفتى الهاشميّ عبد الله بن عبّاس بين يديه وقفة العبد بين يدي مولاه ، ويُمسك له رِكابه ، ويأخذ بزمام دابّته .
    فقال له زيد : دَعْ عنك يا بن عمِّ رسول الله .
    فقال ابن عبّاس : هكذا أُمرنا أن نفعل بِعُلمائنا .
    فقال له زيد : أرني يدك ... فأخرج له ابن عبّاس يده ، فمال عليها وقبَّلها وقال :
    هكذا أُمِرنا أن نفعل بأهل بيت نبيّنا .
    وقد دأب ابن عبّاس على طلب العلم حتّى بلغ فيه مبلغاً أدهش الفُحول ... فقال فيه مسروق بن الأجدع أحد كبار التّابعين ((التّابعين: هم الرعيل الأول بعد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد قسمهم علماء الحديث إلى طبقات ، أوّلهم من لحِق العشرة المبشّرين بالجنّة ، وآخرهم من لقي صغار الصحابة أو من تأخّرت وفاتهم)) :
    كنت إذا رأيت ابن عبّاس قُلت : أجملُ الناس ...
    فإذا نطقَ قلت : أفصحُ الناس ...
    فإذا تحدّثَ قلت: أعلمُ الناس .
    ولمّا اكتمل لابن عبّاس ما طمح إليه من العلم تحوّل إلى معلّم يُعلّم الناس .
    فأصبح بيته جامعة للمسلمين ...
    نعم أصبح جامعةً بكلِّ ما تعنيه الكلمة في عصرنا الحديث ...
    وكل ما بين جامعة ابن عبّاس وجامعاتنا من فرق ، هو أنّ جامعات اليوم يُحشد فيها عشرات الأساتذة ، وأحياناً المئات ...
    أمّا جامعة ابن عبّاس فقد قامت على أكتاف أستاذ واحد ؛ هو ابن عبّاس نفسُهُ .
    روى أحد أصحابه قال :
    لقد رأيت من ابن عبّاس مجلساً لو أنّ جميع قريش افتخرت به لكان لها مفخرةً ...
    فلقد رأيت الناس اجتمعوا في الطّرق المؤدّية إلى بيته حتّى ضاقت بهم ، وسدُّوها في وجوه الناس ، فدخلتُ عليه وأخبرته باحتشاد الناس على بابه ، فقال : ضع لي وَضوءاً ( الوَضوء بفتح الواو: الماء الذي يتوضّأ به) ... فتوضّأ وجلس ، وقال :
    اخرج وقُل لهم :
    من كان يريد أن يسأل عن القُرآن وحروفه فليدخل ...
    فخرجت فقلت لهم ، فدخلوا حتّى ملأوا البيت والحُجرة ، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به ، وزادهم مثل ما سألوا عنه وأكثر ، ثمّ قال لهم :
    أفسحوا الطريق لإخوانكم ، فخرجوا .
    ثمّ قال لي : اخرج فقل : من أراد أن يسأل عن تفسير القرآن وتأويله فليدخل ... فخرجت فقلت لهم .
    فدخلوا حتّى ملأوا البيت والحُجرة ، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به ، وزادهم مثل ما سألوا عنه وأكثر ، ثمّ قال لهم :
    أفسحوا الطريق لإخوانكم ، فخرجوا .
    ثمّ قال لي : اخرج فقل : من أراد أن يسأل عن الحلال والحرام والفقه فليدخل ... فخرجت فقلت لهم ، فدخلوا حتّى ملأوا البيت والحُجرة ، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به ، وزادهم مثل ما سألوا عنه وأكثر ، ثمّ قال لهم :
    أفسحوا الطريق لإخوانكم ، فخرجوا .
    ثمّ قال لي : اخرج فقل : من أراد أن يسأل عن الفرائض وما أشبهها فليدخل ... فخرجت فقلت لهم ، فدخلوا حتّى ملأوا البيت والحُجرة ، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به ، وزادهم مثل ما سألوا عنه وأكثر ، ثمّ قال لهم :
    أفسحوا الطريق لإخوانكم ، فخرجوا .
    ثمّ قال لي : اخرج فقل : من أراد أن يسأل عن العربيَّة والشعر وغريب كلام العرب فليدخل ... فدخلوا حتّى ملأوا البيت والحُجرة ، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به ، وزادهم مثله .
    قال راوي الخبر : فلو أنّ قريشاً فخرت بذلك لكان ذلك لها فخراً .
    وكأنّ ابن عبّاس رضي الله عنه رأى أن يوزّع العلوم على الأيام حتّى لا يحدث على بابه مثلُ ذلك الزّحام ...
    فصار يجلس في الأسبوع يوماً لا يُذكر فيه إلا التَّفسير .
    ويوماً لا يُذكر فيه إلا الفقه .
    ويوماً لا تُذكر فيه إلا المغازي .(المغازي: غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم) .
    ويوماً لا يُذكر فيه إلا الشِّعر .
    ويوماً لا تُذكر فيه إلا أيَّام العرب .
    وما جلس إليه عالم قطُّ إلا خضع له ... وما سأله سائل قطُّ إلا وجد عنده عِلماً .
    وقد غدا ابن عبّاس ، بفضل عِلمه وفقهه ، مستشاراً للخلافة الرّاشدة على الرّغم من حداثَةِ سِنِّه .
    فكان إذا عرض لعمر بن الخطّاب أمر أو واجهته مشكلة دعا جِلَّةَ الصحابة(أي: شيوخهم ومتقدّموهم) ودعا معهم عبد الله بن عبّاس ، فإذا حضرَ رفعَ منزِلته وأدنى مجلِسَهُ وقال له :
    لقد أعضل علينا أمر أنت له ولأمثالِهِ .
    وقد عُوتِب مرّة في تقديمه له وجعله مع الشّيوخ ، وهو ما زال فتى ، فقال :
    إنَّه فتى الكُهُول ، لهُ لِسانٌ سؤول وقلبٌ عقولٌ .
    على أنّ ابن عبّاس حين انصرف إلى الخاصَّة ليُعلِّمهم ويُفقِّههم ، لم ينسَ حقَّ العامّة عليه ، فكان يعقد لهم مجالس الوعظ والتّذكير . فمن مواعظه قوله مخاطباً أصحاب الذّنوب :

    يا صاحب الذّنب لا تأمن عاقبة ذنبك ، واعلم أنّ ما يتبع الذّنب أعظم من الذّنب نفسه .
    فإنّ عدم استِحيائك ممَّن على يمينك وعلى شمالك وأنت تقترف الذّنب لا يقلُّ عن الذّنب .
    وإنّ ضحكك عند الذّنب وأنت لا تدري ما الله صانع بكَ أعظم من الذّنب .
    وإنّ فرحك بالذّنب إذا ظفرت به أعظم من الذّنب .
    وإنّ حزنك على الذّنب إذا فاتك أعظم من الذّنب .
    وإنّ خوفك من الرّيح إذا حرّكت سِترَك ، وأنت ترتكب الذّنب مع كونك لا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك أعظم من الذّنب .
    يا صاحب الذّنب : أتدري ما كان ذنب أيّوب عليه السلا م حين ابتلاه الله عزَّ وجلَّ بجسده وماله ؟...
    إنّما كان ذنبه أنَّه استعان بِهِ مسكين ليدفَعَ عنه الظُّلمَ فلم يُعِنهُ .

    ولم يكن ابن عبّاس من الذين يقولون ما لا يفعلون ، وينهون الناس ولا ينتهون ، وإنّما كان صوّام نهارٍ قوّامَ ليلٍ .
    أخبر عنه عبد الله بن مُليكة قال :
    صحِبت ابن عبّاس رضي الله عنه من مكّة إلى المدينة ، فكنّا إذا نزلنا منزلاً قام شطرَ اللّيل والناس نيام من شدّة التّعب . ولقد رأيته ذات ليلة يقرأ :
    ((( وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ ))) :ق:19

    فظلَّ يُكرِّرها وينشِجُ حتّى طلع عليه الفجر .(ينشِج: يبكي بصوت عالٍ) .
    وحسبُنا بعد ذلك كلُّه أنّ عبد الله بن عبّاس كان من أجمل النّاس جمالاً ، وأصبحهم وجهاً ، فما زال يبكي في جوف اللّيل من خشية الله حتّى خدَّد الدَّمعُ الهَتُونُ(أي: المتصبِّب بغزارة) خدَّيهِ الأسِيلَينِ .(الأسِيلَينِ: المستويين النّاعِمَين) .
    وقد بلغ ابن عبّاس من مجد العلم غايته .
    ذلك أنّ خليفة المُسلمين معاوية بن أبي سفيان خرج ذات سنة حاجَّاً ... وخرج عبد الله بن عبّاس أيضاً ، ولم يكن له صولة ولا إمارة . فكان لمعاوية موكب من رجال دولته ، وكان لعبد الله بن عبّاس موكب يفوق موكب الخليفة من طلاب العِلم .
    عُمِّر ابن عبّاس إحدى وسبعين سنة ملأ فيها الدُّنيا عِلماً وفهماً وحكمةً وتقىً .
    فلمّا أتاه اليقين(أي: الموت) صلَّى عليه محمد بن الحنفيّة .
    والبقيّة الباقية من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجِلَّةُ التّابعين ...
    وفيما كانوا يُوارونه تُرابه ، سمعوا قارئاً يقرأ :

    ((( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ{27} ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً{28} فَادْخُلِي فِي عِبَادِي{29} وَادْخُلِي جَنَّتِي{30} ))) : الفجر

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 29 مارس 2024, 10:00 am